الوساطة بين الفكر والتربية
فضيلة الشيخ:
مشاري بن سعد الشثري
(لعرض المقال كاملاً اضغط هنا)
وللاطلاع على قسم المقالات اضغط هنا
لا يزال الناس بخير ما داموا يعرفون للآفات أوصافَها، ويخلعون عليها أكمَّتَها، ليسعوا بعد
ذلك في علاجها والخلاص منها، ولكن البليَّة حين يستحيل الفَتقُ رتقًا، ويلبس الداءُ جبَّةَ
الدواء، فتستطيل حينئذ عملية الإصلاح، ويكون من ضرورتها بعثُ الروح في حقائق الأشياء
لتسمَّى باسمِها، ويكون من مقدماتها تلقينُ الناس إشكالَ الإشكال، وتعريفُ الآفات بأنها:
آفات!
ثمة آفة تلصَّصت زمنًا على مختلف حقول المعرفة وسَرَت بينها على مُكْث، حتى إذا ما تمكَّنتْ
منها وطوَّقتها صرَّح شرُّها واستبان، وأضحت -على حين غفلةٍ- جزءًا من كل حقل معرفي،
ترتبط به ارتباطًا عضويًّا، ويجهر بها أربابه دون نكير.. إنها آفة الحدود الفاصلة بين (دويلات
المعرفة)، فليست دولة الخلافة وحدَها مَن تعرَّضت لأسْرِ هذه الحدود الفاصلة بين أجزائها،
بل إن دولة المعرفة كذلك، فصار لكل معرفة حدودُها، وساستُها، ومواطنوها، وحرسُها،
وما شئتَ وراء ذلك، وصار كلُّ مواطن يحمل جنسية معرفته، لا يقبل أن يُنسبَ لغيرها، ولا
يجد في نفسه لغير دولته ميلًا ونزوعا .. فكان من شؤم ذلك أنْ تقطَّعت أوصال المعارف،
أو قُلْ: تقطَّعت أوصالُ معارفِ المخلصين في وطنيتهم، والقصة تطول، وليس عن هذه الآفة
أردت الحديث، ولكن التَّقدِمة بها يقرِّب من المقصود.
وصلة تاريخية:
الفكر -من حيث هو مفاهيمُ معرفيةٌ لا أدواتٌ عقلية- ليس تخصُّصًا معزولًا، فإنما تُستنبَت
بذوره في أراضي المعارف المختلفة، فللاقتصاد فكرُه، وللسياسة فكرُها، وللفقه فكرُه، وللتربية
فكرُها، وهلمَّ جرًّا، وإماتةُ الفكر تتحقق بعزله عن مواقع المعارف المختلفة، وعليه فالنفرة
من (الفكر) كمفهوم معرفي ليست ذات عِماد موضوعي، لِمَا أن الفكر ذو اتصال وثيق بالحقل
الذي ولَّده، وهذه الجنايةُ على كل ما كان فكرًا، والتزهيدُ في كتبه وأعلامه أنجبت لنا تأخرًا
في الحراك المعرفي الفكري، كما مهَّدت السبيل للدخلاء على علم الشريعة لأنْ يتحدثوا عن
مفاهيمها بحجة أنهم يعالجون (فكرًا) لا (علمًا شرعيًّا).. ولما ارتاضت كثير من العقول
على هذا الفكِّ الجائر بين العلم والفكر صار...
.
.
.
ولتبقوا على اطلاع بجديدنا:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق