الهاربون إلى براءة الصحراء
الأستاذ:
عايض بن سعد الدوسري
(لعرض المقال كاملاً اضغط هنا)
وللاطلاع على قسم المقالات اضغط هنا
الضغوط التي يعانيها الإنسان من تعقيد المدنيَّة، بأشخاصها وأعمالها، ترهق الروح وتقهر
النفس، حتى يعود الإنسان يجهل نفسه، وكأنه قد تحول إلى إنسانٍ آخر غير الإنسان الذي
يعرفه، إنسان يجهله، حتى روحه قد أصبحت غريبة عنه.
ما أسهل بكاء إنسان المدنيَّة، وشعوره بالحزن والغربة، ليس عن الحياة فقط، بل حتى عن
نفسه. يتضخم ذلك الشعور الحزين في نفسه بمرور دولاب الحياة المدنية فوق ظهره، ليصيبه
مرض العصر، الاكتئاب، ذلك المرض الذي يعزل الإنسان عن الفرحة والسعادة، ويصيّره
جزيرة مهجورة أو سفينة محطمة، بقايا إنسان مُبعثرة، كل قطعة تجهل الأخرى وتنافرها،
ولا يجد من يلملم شعث هذه النفس المبعثرة.
يا لها من ضيقة تخنق إنسان هذا العصر، عصر الصخب والأضواء واللهث خلف الأضواء
التي تُعمي الأعين والأصوات التي تُصم الآذان. إنسان هذا العصر إنسان مغتربٌ وسط الزحام،
وحيدٌ يسير مع الجموع، متفرقٌ وهو جزء من كتلة غير متجانسة!
تخنقه الحياة التي اختزلها هو في نوافذ ضيّقة، ضيَّق بها على نفسه، وهجر براءته الأولى،
وحبه الفطري للحياة، وعلاقاته البريئة بالآخرين، واستبدل بها أظلة لا حقيقة لها. لقد تخيل
أن السعادة في الصاخب واللامع، لقد ظن أنها هي الحياة، لكنه وجدها سراب، كلما ركض
وراءه ابتعد عنه، حتى انهارت قواه الروحيَّة، وسقط صريع الهموم والأحزان، قد مرض
بالاكتئاب، وبكت الحياة حاله، وأشفقت الكائنات عليه، ونظرت النجوم إليه نظرة شفقة وهي
تراه يرهق روحه، ويختفي من نفسه الحزينة خلف أقنعة مبتسمة تزيِّف حياته بألوان فاقعة.
أيتها المدنيَّة، لقد ملَّ الإنسان قسوتك، ويأس من الركض خلف سرابك، فقد أثقلتِ كاهله،
وأحزنت قلبه، وجرحت روحه، وتركتيه على قارعة الطريق ينـزف وحيدًا!
أخبرني
بكل صدق إن كنتِ لا زلتِ تصدقين!
إلى أين يفر؟
وإلى أين يهرب يا تُرى؟
إني أسمع صوتًا صارخًا في البريَّة، يُناديني أن هَلُّمَ إليَّ، إنه صوتٌ...
.
.
.
ولتبقوا على اطلاع بجديدنا:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق